بقلم : الشيخ / محمد ناصر الدين 
		  الألباني
		  
		  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
		  
		  أما بعد فقد قرأت مقال الأستاذ وهبي الألباني المنشور في عدد جمادى 
		  الأولى سنة 1381 هـ من مجلة التمدن الإسلامي الزاهرة ، في الرد على 
		  الأستاذ محمود مهدي استانبولي في مسألة تحديد المهور ، فرأيته قال فيه ما 
		  نصه:
		  
		  " لقد قرر الأستاذ محمود مهدي أن قصة اقتراح عمر -رضي الله تعالى عنه- 
		  ترك التغالى في المهور هى خبر ضعيف ، لا يصح الاعتماد عليه ، مع أن الخبر 
		  قد صححه ابن كثير الذى ذكر الخبر في تفسيره فقال : قال الحافظ أبو يعلى ( 
		  بسنده إلى مسروق ) قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله -صلى الله 
		  عليه وسلم- ثم قال : أيها الناس ! ما إكثاركم في صداق النساء ، وقد كان 
		  رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والصداقات فيما بينهم أربعمائة 
		  درهم فما دون ذلك ، ولو كان ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها 
		  فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم ، قال : ثم نزل 
		  فاعترضته امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين ! نهيت الناس أن 
		  يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم ، فقالت : أما سمعت 
		  ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأين ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : 
		  ( ... واءتيتم إحداهن قنطارا ... ) الآية ، فقال : اللهم غفراً ، كل 
		  الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر ، فقال : أيها الناس إني كنت قد 
		  نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقاتهم على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن 
		  يعطي من ماله ما أحب ، قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل 
		  . إسناده جيد قوي " ابن كثير ج 1 ص 467 ".
		  
		  ومن الطبيعي من مثلي أن لا يدخل في نزاع جديد بين الطرفين المختلفين في 
		  قصة التحديد المذكور ، لأن للاجتهاد في ذلك مساغاً واسعاً ، ولكل رأيه ، 
		  لا سيما وهو يشبه من ناحية مسألة تحديد الأسعار التي قال بها بعض العلماء 
		  ، مع توارد الأحاديث في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبى أن يسعر للناس 
		  حين طلبوا ذلك منه ، وقال : " إن الله هو المسعر . . . " فإذا قال 
		  الأستاذ محمود بتحديد المهور ، وافترض أنه لم يسبق إليه ، فقد سبق إلى 
		  مثله ، بل وإلى ما هو أولى بالمنع منه ، وهو تحديد الأسعار عند من يمنع 
		  من تحديد المهور ، كالأستاذ وهبي ، فهل يقول بذلك ، هذا ما لا نظنه به ، 
		  ولذلك فإني ما كنت أود منه أن لا يشنع عليه في الرد ذلك التشنيع الذي 
		  يشعر الآخرين بأنه إنما حمله عليه التعصب المذهبي . . .
		  
		  هذا مع علم الأستاذ وهبي -فيما أظن- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى 
		  عن صيام يوم الجمعة وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " لا طاعة لمخلوق في 
		  معصية الخالق " ومع ذلك ، لم نسمع من الأستاذ وهبي ولا من غيره كلمة 
		  واحدة في إنكار هذه المخالفة الصريحة للسنة الصحيحة !
		  
		  قلت : إنني لا أريد الدخول في نزاع جديد في المسألة ، وانما الذي أريد 
		  بيانه في هذه الكلمة ، هو بيان ضعف مستند الأستاذ وهبي في تصحيح قصة 
		  المرأة تقليداً منه للحافظ ابن كثير ، وأنا وإن كنت أعذر الأستاذ وهبي في 
		  هذا التقليد ( ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) فإني في الوقت نفسه ألفت 
		  نظره إلى أن التقليد ليس علماً باتفاق العلماء ، فلا يصلح إذن اتخاذه حجة 
		  للرد على المخالفين .
		  
		  وهأنذا : أشرع الآن في بيان ضعف ذلك ، مستنداً فيه إلى القواعد الحديثية 
		  فأقول :
		  
		  إن هذا الخبر الذي نقله الأستاذ عن الحافظ ابن كثير يتضمن أمرين:
		  الأول : نهي عمر عن الزيادة في مهور النساء على أربعمائة درهم .
		  والآخر : اعتراض المرأة عليه في ذلك وتذكيرها إياه بالآية .
		  إذا تبين ذلك . فباستطاعتنا الآن أن نقول :
		  أما الأمر الأول فلا شك في صحته عن عمر رضي الله عنه ، لوروده عنه من طرق 
		  ، ولا بأس من ذكرها لما لذلك من فائدة هامة ستتبين للقاريء الكريم فيما 
		  بعد :
		  
		  1- عن أبي العجفاء قال :
		  " خطبنا عمر رحمه الله فقال : ألا لا تغلوا بصدق النساء ، فإنها لو كانت 
		  مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله ، لكان أولاكم بها النبي -صلى الله 
		  عليه وسلم- ، ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ، 
		  ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية " زاد في رواية : " 
		  وان الرجل ليغالي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ، وحتى يقول : 
		  كلفت لكم علق القربة "(1) .
		  
		  أخرجه أبو داود (2106) والنسائي (2/ 87-88) والترمذي (1/ 308) والدارمي 
		  (2/141 ) وابن ماجة (1887 ) والحاكم (2/ 175-176 ) والبيهقي (7/231) 
		  والطيالسي (رقم 64) وأحمد (1/ 40 و 48) وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " 
		  . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .
		  
		  قلت : وهو كما قالوا ، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير أبي العجفاء ، 
		  واسمه هرم ، وهو ثقة كما قال ابن معين والدارقطني وغيرهما ، وقد توبع كما 
		  يأتي ، وقد سمعه منه ابن سيرين كما في رواية أحمد .
		  
		  2- عن ابن عباس قال :
		  قال عمر : لا تغالوا بمهور النساء . وذكر الحديث . رواه الحاكم .
		  
		  3- عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال : يا أيها 
		  الناس لا تغالوا مهر النساء . الحديث . رواه الحاكم .
		  
		  4- عن شريح قال : قال عمر بن الخطاب : فذكره .
		  
		  5- عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام على منبره 
		  فحمد الله وأثنى عليه فقال : فذكره .
		  أخرجه الحاكم وقال :
		  " فقد تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 
		  رضي الله عنه ( بذلك ) ، وهذا الباب لي مجموع في جزء كبير " . ووافقه 
		  الذهبي .
		  قلت : وهذه الطرق جميعها ليس فيها قصة المرأة ومعارضتها لعمر ، وفي ذلك 
		  تنبيه لأهل العلم إلى احتمال ضعفها لشذوذ أو نكارة فلننظر في سندها إذن 
		  لنتبين مبلغ صحة هذا الاحتمال :
		  لقد ساق الحافظ ابن كثير إسناد أبي يعلى بتمامه من طريق " ابن إسحاق 
		  حدثني محمد بن عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال " . 
		  فذكره ، وقد اختصر إسناده الأستاذ وهبي فلم يحسن .
		  قلت : وفي هذا السند علل:
		  1- ضعف مجالد بن سعيد ، ولا أريد أن أطيل على القراء بذكر أقوال العلماء 
		  في تضعيفه ، وانما أقتصر على ذكر قول حافظين من الحفاظ المتأخرين 
		  المحيطين بأقوال المتقدمين ، وهما الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني ، 
		  فقال الأول في " الميزان " : " فيه لين " . وقال الحافظ العسقلاني في " 
		  التقريب " : " ليس بالقوي ، وقد تغير فى آخر عمره " .
		  2- الاختلاف في سنده ، فقد رواه ابن إسحاق عن مجالد عن الشعبي عن مسروق ، 
		  كما تقدم ، وخالفه هشيم فقال : حدثنا مجالد عن الشعبي قال : خطب عمر بن 
		  الخطاب . . .
		  أخرجه البيهقي (7 / 233) وقال :
		  " هذا منقطع " .
		  قلت : وذلك لأن الشعبي واسمه عامر ين شراحيل لم يسمع من عمر وادخال ابن 
		  إسحاق بينهما مسروقاً مما لا يطمئن القلب له ، لتفرد ابن إسحاق به ، وقد 
		  علم كل مشتغل بهذا الفن أن في تفرده نكارة ، قال الذهبي في خاتمة ترجمته 
		  : " حسن الحديث ، صالح الحال ، صدوق ، وما انفرد به ، ففيه نكارة ، فإن 
		  في حفظه شيئاً " .
		  
		  قلت : وقد خالفه هشيم ، وهو ثقة ثبت كما في " التقريب " وهو قد أرسله ، 
		  فروايته هي المعتمدة .
		  ومما سبق يتبين أن في إسناد هذه القصة علتين :
		  ضعف مجالد ، والانقطاع .
		  وإذا كان الأمر كذلك ، فقول الحافظ ابن كثير :
		  " إسناده جيد قوي "(2) . غير قوي ، بل هو سهو منه -رحمه الله- لا يجوز 
		  لمن يبين له أن يقلده ، لا سيما مع إعلال الحافظ البيهقي إياه بالانقطاع 
		  .
		  
		  وإذا تبين هذا التحقيق للقاريء الكريم ، وتذكر أن خطبة عمر هذه وردت عنه 
		  من خمسة طرق ، ليس فيها قصة المرأة ، عرف حينئذ أنها ضعيفة منكرة لا تصح 
		  .
		  
		  ومما يؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي من طريق بكر بن عبد الله المزني قال : 
		  قال عمر بن الخطاب " لقد خرجت وأنا أريد أن أنهي عن كثرة مهور النساء حتى 
		  قرأت هذه الآية : ( وءاتيتم إحداهن قنطارا ) ".
		  وقال البيهقي :
		  " هذا مرسل جيد " .
		  قلت : وهو أصح ، من مرسل ابن إسحاق ، لأن رجاله كلهم ثقات ، وهو بظاهره 
		  يبطل قصة المرأة ، لأنه يدل على أن تراجع عمر -رضي الله عنه- عما هم به 
		  من النهي إنما كان بقراءته الآية قبيل خروجه إلى الناس ، بينما القصة 
		  تقول : إن تراجعه إنما كان بعد خروجه وتذكير المرأة إياه بالآية .
		  
		  وعلى كل حال ، فهذان المرسلان لا يصحان لإرسالهما وللتعارض الذي بينهما ، 
		  ومخالفتهما لسائر طرق الحديث عن عمر ، التي أطبقت على أن عمر نهى عن 
		  التغالي في المهور ، ولم تذكر أنه رجع عن ذلك .
		  
		  وليس في نهي عمر عن ذلك ما ينافي السنة حتى يتراجع عنه ، بل فيها ما يشهد 
		  ، فقد صح عن أبي هريرة قال :
		  " جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إني تزوجت امرأة من 
		  الأنصار ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " هل نظرت إليها فإن في عيون 
		  الأنصار شيئاً ؟ " ، قال : قد نظرت إليها ، قال : " على كم تزوجتها ؟ " 
		  قال أربع أواق ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : " على أربع أواق 
		  ؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل " رواه مسلم .
		  
		  وإذا تبين أن نهي عمر رضي الله عنه عن التغالي في المهور موافق للسنة ، 
		  وحينئذ يمكن أن نقول : إن في القصة نكارة أخرى تدل على بطلانها ، وذلك أن 
		  نهيه ليس فيه ما يخالف الآية ، حتى يتسنى للمرأة أن تعترض عليه ، ويسلم 
		  هو لها ذلك ، لأن له -رضي الله عنه- أن يجيبها على اعتراضها -لو صح- بمثل 
		  قوله : لا منافاة بين نهيي وبين الآية من وجهين.
		  
		  الأول : أن نهيي موافق للسنة ، وليس هو من باب التحريم بل التنزيه .
		  
		  الآخر : أن الآية وردت في المرأة التي يريد الزوج أن يطلقها ، وكان قدر 
		  لها مهراً ، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً دون رضاها ، مهما كان كثيراً 
		  ، فقد قال تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن 
		  قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) فالآية وردت 
		  في وجوب المحافظة على صداق المرأة وعدم الاعتداء عليه ، والحديث وما في 
		  معناه ونهي عمر جاء لتطيف المهر وعدم التغالي فيه ، وذلك لا ينافي بوجه 
		  من الوجوه عدم الاعتداء على المهر بحكم أنه صار حقاً لها بمحض اختيار 
		  الرجل ، فإذا خالف هو ، ووافق على المهر الغالي فهو المسؤول عن ذلك دون 
		  غيره .
		  
		  وبعد : فهذا وجه انشرح له صدري لبيان نكارة القصة من حيث متنها ، فإن 
		  وافق ذلك الحق ، فالفضل لله ، والحمد له على توفيقه ، وإن كان خطأ ، 
		  ففيما قدمنا من الأدلة على بيان ضعفها من جهة إسنادها كفاية ، والله 
		  سبحانه وتعالى هو الهادي .
		  
		  محمد ناصر الدين الألباني
		  دمشق 
		  6 / 7 / 1381 هـ
		  
		  المصدر: مجلة التمدن الإسلامي (28 / 514 – 519)
		  
		  
		  1) أي تحملت لأجلك كل شئ ، حتى علق القربة وهو حبلها الذي تعلق به.
		  2) وتبعه السيوطي في " الدرر المنثور " ( 2 / 133 ).