قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
في سلسلة الأحاديث الصحيحة - الحديث رقم (478):
478- (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْتِي النَّذْرُ عَلَى ابْنِ
آدَمَ بِشَيْءٍ لَمْ أُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ
أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَا
يُؤْتِينِي عَلَى الْبُخْلِ ، وفي رواية : ما لم يكن آتاني من قبل).
وقد دل هذا الحديث بمجموع ألفاظه أن النذر لا يشرع عقده ، بل هو مكروه ،
وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام ، وقد قال به قوم ، إلا أن قوله تعالى
: (أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) : يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص
بنذر المجازاة أو المعاوضة ، دون نذر الابتداء والتبرر ، فهو قربة محضة ،
لأن للناذر فيه غرضاً صحيحاً ، وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب ، وهو فوق
ثواب التطوع ، وهذا النذر هو المراد – والله أعلم – بقوله تعالى
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان 7 ، دون الأول.
قال الحافظ في الفتح : (وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله
تعالى (يوفون بالنذر) قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام
والزكاة والحج والعمرة ومما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا ، وهذا صريح
في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة).
وقال قبل ذلك : (وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من
النهي على نذر المجازاة فقال : هذا النهي محله أن يقول مثلا إن شفى الله
مريضي فعلي صدقة كذا ، ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على
حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما
صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة ، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم
يتصدق بما علقه على شفائه ، وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا
إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا . وهذا المعنى هو المشار إليه في
الحديث بقوله " و إنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه " وقد
ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض ، أو أن الله
يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر ، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث
أيضا " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر
والثانية خطأ صريح).
قال الحافظ : (قلت : بل تقرب من الكفر أيضا . ثم نقل القرطبي عن العلماء
حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال : الذي يظهر لي أنه على
التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك
محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ا هـ . وهو تفصيل حسن ، ويؤيده قصة
ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة).
قلت : يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم من طريق فليح بن سليمان عن سعيد بن
الحارث أنه سمع عبدالله بن عمر وسأله رجل من بني كعب يقال له مسعود بن
عمرو ، يا أبى عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن
عبيد الله ، وإنه وقع بالبصرة طاعون شديد ، فلما بلغ ذلك ، نذرت : إن
الله جاء بابني أن أمشي إلى الكعبة ، فجاء مريضاً فمات ، فما ترى ؟ فقال
ابن عمر : أولم تنهوا عن النذر ؟ إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال : ( النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره ، فإنما يستخرج به من
البخيل) ، أوف بنذرك.
وبالجملة ففي الحديث تحذير للمسلم أن يقدم على نذر المجازاة ، فعلى الناس
أن يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.