للشيخ / محمد ناصر الدين الألباني
		  
		  ( السؤال ) :
		  ورد إلى المجلة سؤال من بعض القراء الأفاضل عن صحة الحديث الذي أورده 
		  الحافظ ابن كثير في تفسيره ولفظه :
		  " عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله 
		  -صلى الله عليه وسلم- فمرت بهم سحابة فنظر إليها ، فقال : " ما تسمون هذه 
		  ؟ " قالوا : السحاب ، قال : " والمزن ؟ " قالوا : والمزن ، قال : " 
		  والعنان ؟ " قالوا : والعنان - قال أبو داود : ولم أتقن العنان جيداً - 
		  قال : " هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟ " قالوا : لا ندري . قال : 
		  " بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها 
		  كذلك ، حتى عد سبع سموات ، ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله 
		  وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن 
		  وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم على ظهورهن العرش ، بين أسفله 
		  وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك " .
		  
		  ( الجواب ) :
		  إن الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة ، وإليك البيان:
		  
		  تخريجه:
		  
		  أخرج الحديث الإمام أحمد في مسنده (رقم 0177 و7711) وأبو داود (2/276) 
		  وعنه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 399) والترمذي (4/205-206) وابن 
		  ماجة (1/83) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص68-69) والحاكم في " المستدرك " 
		  (2/378) والحافظ عثمان الدارمي في " النقض على بشر المريسي " (ص 90-91) 
		  والبغوي في تفسيره (8/465-466) من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن 
		  عميرة عن العباس به.
		  وقال الترمذي:
		  " هذا حديث حسن غريب "
		  وقال الحاكم:
		  " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي ! وليس كما قالوا ، وقد تناقض الذهبي 
		  -كما يأتي بيانه-:
		  
		  علة الحديث :
		  
		  وللحديث علتان : الاضطراب في إسناده ، وجهالة أحد رواته وهو ابن عميرة ، 
		  فقال الحافظ ابن حجر في ترجمته من " تهذيب التهذيب " :
		  
		  " وعنه سماك بن حرب ، وفيه عن سماك اختلاف ، قال البخاري لا يعلم له سماع 
		  من الأحنف ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وحسن الترمذي حديثه ( يعني 
		  هذا ) ، وقال أبو نعيم في " معرفة الصحابة " : أدرك الجاهلية ، وكان قائد 
		  الأعشى لا تصح له صحبة ولا رؤية ، وقال مسلم في " الوحدان " : تفرد سماك 
		  بالرواية عنه ، وقال إبراهيم الحربي : لا أعرفه " .
		  
		  أما العلة الأولى فقد بينها بعض العلماء تعليقاً على التهذيب ، فقال:
		  
		  " قال شريك مرة : عن سماك عن عبد الله بن عمارة ، وهو وهم ، وقال أبو 
		  نعيم : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة أو عمير. والأول أصح . 
		  وقال أبو أحمد الزبيري : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن زوج 
		  درة بنت أبي لهب " .
		  
		  وأما العلة الثانية فتتلخص بأن عبد الله بن عميرة مجهول لايعرف ، وقد صرح 
		  بهذا الحافظ الذهبي فقال في " كتاب العلو " (ص 109 الطبعة الهندية) :
		  
		  " تفرد به سماك بن حرب عن عبد الله ، وعبد الله فيه جهالة " . 
		  وكذا قال في " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " .
		  
		  ثم نسي الذهبي هذا كله فوافق الحاكم على تصحيحه كما سبق ، فسبحان من لا 
		  ينسى !
		  
		  وأما تحسين الترمذي للحديث فمما لا يعتمد عليه لا سيما بعد ظهور علة 
		  الحديث ، ذلك لأن الترمذي معدود في جملة المتساهلين في تصحيح الأحاديث 
		  كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم ، ولهذا قال الذهبي في " الميزان " 
		  (ص 33) :
		  " لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي " .
		  
		  قلت : وكذلك لا يعتمد المحققون من العلماء على توثيق ابن حبان لتساهله في 
		  ذلك كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة " لسان الميزان " وزدته بياناً في 
		  ردي على الشيخ عبد الله الحبشي (ص 18-21) وخلاصة ذلك أنه يوثق المجهولين 
		  حتى الذين يعترف هو بأنه لا يعرفهم فيقول مثلاً في ترجمة سهل :
		  " يروي عن شداد بن الهاد ، روى عنه أبو يعقوب ، ولست أعرفه ، ولا أدري من 
		  أبوه " !!
		  
		  وهذا موضوع هام يجب على كل مشتغل بعلم السنة وتراجم الرواة أن يكون على 
		  بينة منه ، كي لا يخطيء بتصحيح الأحاديث الضعيفة اغتراراً بتوثيق ابن 
		  حبان ، كما فعل أحد أفاضل العلماء في تعليقه على المسند ، والشيخ الحبشي 
		  في " التعقب الحثيث " وغيرهما .
		  
		  وأما طلب السائل شرح هذا الحديث ، فلا داعي عندي للإجابة عنه بعد أن بينا 
		  ضعفه ، بل أعتبر الاشتغال بشرحه مضيعة للوقت ، إذ كل ما فيه من بيان 
		  المسافة بين كل سماء والتي فوقها ، وكذا البحر فوقها والثمانية أوعال كل 
		  ذلك لم يرد فيه شيء صالح للاحتجاج به ، نعم هناك أحاديث أخرى في تحديد 
		  المسافة المذكورة ، وهي مع ضعف أسانيدها مختلفة متناقضة ، ولا داعي 
		  للتوفيق بينها كما فعل ابن خزيمة في " التوحيد " والبيهقي في " الأسماء " 
		  إذ التوفيق فرع التصحيح ، وهو مفقود .
		  
		  وأما قوله في آخر الحديث : " ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك " فحق يجب 
		  الإيمان به لثبوته في آيات كثيرة وأحاديث متواترة شهيرة ، وقد ساقها 
		  وتكلم على أسانيدها الحافظ الذهبي في " كتاب العلو " فليراجعها من شاء 
		  الوقوف عليها .
		  
		  وبهذه المناسبة أرى لزاماً علي أن أقول : إن الإيمان بعلو الله -تبارك 
		  وتعالى- على خلقه متفق عليه بين أئمة المسلمين قاطبة وفيهم الأئمة 
		  الأربعة ، ومن ينكر ذلك من المتأخرين بحجة أن في ذلك تشبيهاً لله تعالى 
		  أو إثبات مكان له غفلة منه عن الحقيقة المتفق عليها ، وهي أن صفات الله 
		  تبارك كذاته من حيث جهلنا بحقيقة ذلك كلها ، فإذا كان لا يلزم من إثبات 
		  الذات تشبيه ، فكذلك لا يلزم من إثبات الصفات تشبيه ومن غاير بين الأمرين 
		  فقد كابر أو تناقض ، وللحافظ الخطيب كلمة نافعة جداً في هذا الصدد أرى من 
		  الضروري نشرها ، ولو طال بها الكلام إذا اتسع لذلك صدر المجلة الزاهرة .
		  
		  قال الخطيب -رحمه الله تعالى-:
		  " أما الكلام في الصفات ، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف 
		  رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ، ونفي الكيفية والتشبيه 
		  عنها ، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه ، وحققها من المثبتين 
		  قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف ، والقصد إنما هو سلوك 
		  الطريقة المتوسطة بين الأمرين ، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه .
		  
		  والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ، ويحتذي في 
		  ذلك حذوه ومثاله ، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو 
		  إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود 
		  ، لا إثبات تحديد وتكييف .
		  
		  فإذا قلنا : لله تعالى يد وسمع وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى 
		  لنفسه ، ولا نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع والبصر 
		  العلم ، ولا نقول : إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار 
		  التي هي جوارح وأدوات الفعل ، ونقول : إنما وجب إثباتها ، لأن التوقيف 
		  ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى : ( ليس كمثله شيء وهو 
		  السميع البصير ) وقوله عز وجل : ( ولم يكن له كفوا أحد ).
		  
		  ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث ، ولبسوا 
		  على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين ، 
		  ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل ، أجيبوا بأن في كتاب الله 
		  تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها ، وآيات متشابهات لا يوقف 
		  على معناها إلا بردها إلى المحكم ، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع ، 
		  فكذلك أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- جارية هذا المجرى ومنزلة على 
		  هذا التنزيل برد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع .
		  
		  فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام :
		  
		  القسم الأول : أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضة نقلها 
		  فيجب قبولها ، والإيمان بها ، مع حفظ القلب أن يسبق إليه ما يقتضي تشبيه 
		  الله بخلقه ، ووصفه بما لا يليق من الجوارح والتغير والحركات .
		  
		  والقسم الثاني : أخبار ساقطة بأسانيد واهية ، وألفاظ شهد أهل العلم 
		  بالنقل على بطلانها ، فهذه لا يجوز الاشتغال بها والاعتماد عليها .
		  
		  والقسم الثالث : أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها البعض دون الكل ، 
		  فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها ليلحق بأصحها أو يجعل في حيز الفساد 
		  والبطول " .
		  
		  قلت : وهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه من هذا القسم ، وقد نظرنا 
		  فيه على ضوء قواعد الحديث فتبين أنه من الفساد والبطول .
		  
		  محمد ناصر الدين
		  أبوعبد الرحمن
		  
		  المصدر: مجلة المسلمون (6/ 688 – 693).