قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
في سلسلة الأحاديث الضعيفة - الأحاديث رقم (546 - 547):
546- (للإمام سكتتان, فاغتنموا القراءة فيهما بفاتحة الكتاب) لا أصل له
مرفوعا.
وإنما رواه البخاري في " جزء القراءة " ( ص 33 ) عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف قال : فذكره موقوفا عليه .
قلت : وإسناده حسن. ثم رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفا عليه ,
وسنده حسن أيضا .
والذي دعاني إلى التنبيه على بطلان رفعه أنني رأيت ما نقله بعضهم في
تعليقه على قول النووي في " الأذكار " ( ص 63 ) : " إنه يستحب للإمام في
الصلاة الجهرية أن يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم
الفاتحة " . فقال المعلق عليه وْْهو الشيخ محمد حسين أحمد : " قال الحافظ
: دليل استحباب تطويل هذه السكتة حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن للإمام
سكتتين .... أخرجه البخاري في كتاب " القراءة خلف الإمام " وأخرجه فيه
أيضا عن أبي سلمة عن أبي هريرة . وعن عروة بن الزبير قال : يا بني اقرؤوا
إذا سكت الإمام , واسكتوا إذا جهر , فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " .
فقوله : " حديث أبي سلمة .... " فيه إيهام كبير أنه حديث مرفوع إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وأن هذا اللفظ من قوله صلى الله عليه وسلم كما هو
المتبادر عند الإطلاق , وراجعني من أجل ذلك بعض الشافعية محتجا به !
فبينت له أن الحديث ليس هو من كلامه صلى الله عليه وسلم , وإنما هو مقطوع
موقوف على أبي سلمة , حتى ولو كان مرفوعا لكان ضعيفا لأنه مرسل تابعي .
ثم قلت : ولو صح عنه صلى الله عليه وسلم لما كان حجة لكم بل هو عليكم !
قال كيف ?
قلت : لأنه يقول : " فاغتنموا القراءة في السكتتين " وهما سكتة الافتتاح
وسكتة بعد القراءة , وأنتم لا تقولون بقراءة الفاتحة أو بعضها في السكتة
الأولى ! نعم نقل ابن بطال عن الشافعي أن سبب سكوت الإمام السكتة الأولى
ليقرأ المأموم فيها الفاتحة . لكن الحافظ تعقبه في "الفتح" (2/182) بقوله
: " وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي , ولا عن أصحابه , إلا أن
الغزالي قال في " الإحياء " : إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام
بدعاء الافتتاح وخولف في ذلك , بل أطلق المتولي وغيره كراهية تقديم
المأموم قراءة الفاتحة على الإمام " . وكذلك قول عروة المتقدم حجة على
الشافعية , لأنه يأمر المؤتم بالسكوت إذا جهر الإمام . وهذا هو أعدل
الأقوال في مسألة القراءة وراء الإمام , أن يقرأ إذا أسر الإمام , وينصت
إذا جهر . وقد فصلت القول في هذه المسألة وجمعت الأحاديث الواردة فيها في
تخريج أحاديث " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " .
547- (كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكتتان, سكتة حين يكبر, وسكتة حين
يفرغ من قراءته) ضعيف.
أخرجه البخاري في " جزء القراءة " ( ص 23 ) وأبوداود والترمذي وابن ماجة
وغيرهم من حديث الحسن البصري عن سمرة بن جندب . وهذا سند ضعيف أعله
الدارقطني في سننه ( ص 138 ) بالانقطاع فقال عقب الحديث : " الحسن مختلف
في سماعه من سمرة , وقد سمع منه حديثا واحدا , وهو حديث العقيقة " .
قلت : ثم هو على جلالة قدره مدلس كما سبق التنبيه على ذلك مرارا , ولم
أجد تصريحه بسماعه لهذا الحديث بعد مزيد البحث والتفتيش عن طرقه إليه ,
فلو سلم أنه ثبت سماعه من سمرة لغير حديث العقيقة , لما ثبت سماعه لهذا ,
كما لا يخفى على المشتغلين بعلم السنة المطهرة . ثم إن للحديث علة أخرى
وهي الاضطراب في متنه . ففي هذه الرواية أن السكتة الثانية محلها بعد
الفراغ من القراءة , وفي رواية ثانية : بعد الفراغ من قراءة الفاتحة ,
وفي الأخرى بعد الفراغ من الفاتحة وسورة عند الركوع . وهذه الرواية
الأخيرة هي الصواب في الحديث لو صح , لأنه اتفق عليها أصحاب الحسن , يونس
, وأشعث , وحميد الطويل , وقد سقت رواياتهم في ذلك في " ضعيف سنن أبي
داود " ( رقم 135 و138 ) ونقلت فيه عن أبي بكر الجصاص أنه قال : " هذا
حديث غير ثابت " . فبعد معرفة علة الحديث لا يلتفت المنصف إلى قول من
حسنه .
وإذا عرفت هذا فلا حجة للشافعية في هذا الحديث على استحبابهم السكوت
للإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة , وذلك لوجوه :
الأول : ضعف سند الحديث .
الثاني : اضطراب متنه .
الثالث : أن الصواب في السكتة الثانية فيه أنها قبل الركوع بعد الفراغ من
القراءة كلها لا بعد الفراغ من الفاتحة .
الرابع : على افتراض أنها أعني السكتة بعد الفاتحة , فليس فيه أنها طويلة
بمقدار ما يتمكن المقتدي من قراءة الفاتحة ! ولهذا صرح بعض المحققين بأن
هذه السكتة الطويلة بدعة فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (2 /
146 - 147) : " ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم , ولكن بعض
أصحابه استحب ذلك , ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة
تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله , فلما
لم ينقل هذا أحد , علم أنه لم يكن , وأيضا فلو كان الصحابة كلهم يقرؤون
الفاتحة خلفه صلى الله عليه وسلم , إما في السكتة الأولى وإما في الثانية
لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فكيف ولم ينقل أحد من
الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرءون الفاتحة , مع أن ذلك لو كان
شرعا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه , فعلم أنه بدعة " .
قلت : ومما يؤيد عدم سكوته صلى الله عليه وسلم تلك السكتة الطويلة قول
أبي هريرة رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر
للصلاة سكت هنية , فقلت : يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة
ماذا تقول ? قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي .... " الحديث فلو
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت تلك السكتة بعد الفاتحة بمقدارها
لسألوه عنها كما سألوه عن هذه .