مقال: قد تجاوزت الحد، دفاع الشيخ
عبد السلام بن برجس عن العلامة الألباني
الإخوة الكرام ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نفيدكم بإضافة مقال: (قد تجاوزت الحد) كتبه الشيخ عبد السلام بن برجس
دفاعاً عن العلامة الألباني -رحمهما الله تعالى- رداً على الدكتور / عبد
العزيز العسكر في ثلاث حلقات، تم تنضيده بصيغة (وورد) وأرفق بصيغة (بي دي
اف) المصورة لتوثيق المقال بتوقيع الشيخ عبد السلام بن برجس -رحمه الله-:
قد تجاوزت الحَدَّ !!
((الحلقة الأولى))
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد.
فقد اطلعت على ما كتبه الدكتور عبدالعزيز العسكر في جريدة (عكاظ) يوم
الجمعة الموافق (22/11/1418هـ) في حق الشيخ الألباني. وقد ساءني جدًا ما
كتبه، إذ هو بداية الانطلاق العلني لأكل لحوم علماء الأمة الكبار في بلد
لا يعهد عن ولاته ولا مواطنيه إلا تقدير علماء المسلمين الذين شُهِدَ لهم
بالاستقامة على السنة ونصرتها .. حتى خرج هذا الكاتب عن جماعتهم برفع
لواء الطعن والتجريح في عالم كبير.. إنه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني،
الذي قام بتدريس كتاب: (التوحيد) لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه
الله تعالى ـ مع شرحه العظيم (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) للإمام الشيخ
عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ في بلاد
الشام (دمشق) !! قبل أن يولد هذا الكاتب تقريبًا، وذلك عام 1375هـ كما
حدث بذلك الشيخ عبدالله بن خميس ـ حفظه الله ـ في كتابه الماتع (شهر في
دمشق) (ص75،76).
لقد نذر الألباني وقته كله للعلم والتعليم، في نشر العقيدة والسنة،
تأليفًا وتحقيقًا وتدريسًا. فأحبه علماء هذا البلد، وأثنوا على عقيدته،
وفرحوا بوجود مثله في تلك الأقطار، مع مخالفتهم له في مسائل من فروع
الدين، وفي طريقة الاستنباط من النصوص الشرعية.
قال سماحة الشيخ المفتي الأكبر محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله
تعالى ـ ( كما في (الفتاوى) 4/92) ـ في الرد على ما ذهب إليه الألباني من
تحريم الذهب المحلق ـ قال: والذي كتب في ذلك ناصر الدين الألباني، وهو
صاحب سنة ونصرة للحق ومصادمة لأهل الباطل، ولكن له بعض المسائل الشاذة،
من ذلك هذه المسألة وهو عدم إباحته، ذكر وجمع آثارًا، ولكنها لا تصلح أن
تعارض الأحاديث. اهـ.
وقال سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ
حفظه الله تعالى ـ ( كما في مجلة الدعوة، العدد 1449، الخميس 6 صفر
1415هـ): الشيخ ناصر الدين الألباني من خواص إخواننا الثقات المعروفين
ليس معصومًا بل قد يخطئ في بعض التصحيح والتضعيف، ولكن لا يجوز سبه ولا
ذمه ولا غيبته. اهـ.
وقال الشيخ حمود بن عبدالله التويجري ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه
(التنبيهات على رسالة الألباني في الصلاة) (ص3): وقبل ذكر التنبيهات نبدأ
بشكر الألباني على اعتنائه بشأن الصلاة، وعلى إنكاره على المبتدعين في
النية، وعلى إنكاره على المحافظين على التوسلات المبتدعة كالتوسل بالجاه
والحرمة ذلك وغير ذلك مما لا يجوز التوسل به. اهـ.
وقال في الرسالة نفسها (ص13): ومن تدبَّر ما قرره الشيخ الألباني في
أثناء كلامه لم يَشُكّ في حسن عقيدته في باب القدر. اهـ.
وقد كنت مع الشيخ حمود ـ رحمه الله ـ في بيته عام 1407هـ تقريبًا، وعرضت
عليه ردًا لبعض الإخوة على الشيخ الألباني في مسألة: منعه الاعتكاف في
غير المساجد الثلاثة، وكانت مقدمة الردّ: مشتملة على كلام جارح في حق
الشيخ الألباني. فأشهد الله تعالى أني سمعت الشيخ حمود بن عبدالله
التويجري يقول : الألباني الآن عَلَمٌ على السنة، الطعن فيه إعانة على
الطعن في السنة. اهـ.
فهذه بعض أقوال علمائنا الكبار في الألباني، فماذا يريد العسكر من الخروج
عن سبيلهم ؟ إنهم ـ رغم ردهم على الألباني في هذه المسائل الفرعية ـ لم
يتهموه في عقيدته ومنهجه؛ لأنهم بالله أعرف، وله أخشى، فلا يقولون إلا ما
يرضي الله تعالى، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
لقد ضم الدكتور العسكر قلمه ـ بتلك المقالة ـ إلى أقلام الجهمية والصوفية
والقبورية الذين ينطقون ويكتبون: (الألباني وهابي) (الألباني من
الوهابية) ولا أظن مقالاتهم تخفى على الكاتب وقد تخصص في (العقيدة) إنّ
الألباني غير معصوم ـ كبني البشر ـ وله أخطاء لا يوافقه علماؤنا الكبار
عليها، ونحن تبع لهم في ذلك لأننا نعتقد أن أدلتهم أقوى، لكن لم يكتب أحد
من علمائنا الكبار: أن الألباني ليس بسلفي أو هو مبتدع، وإنما يختلفون
معه كما يختلفون العلماء من لدن الصحابة إلى يومنا هذا في الفرعيات
الشرعية، ويبقى الحب لأهل السنة والتوحيد، كما قال الإمام إبراهيم
النخعي: (كانوا يتزاورون وهم مختلفون) رواه يعقوب بن سفيان في (المعرفة
والتاريخ)(3/134).
إن الألباني يختلف تمام الاختلاف عن الأحزاب والتنظيمات والجماعات. فهو
عالم، يربي بالعلم الشرعي، ويحرم التحزب وتنظيمه .. كما يرى أن الدولة
السعودية هي دولة إسلام وبلاد توحيد، وأنها لا تسلم من أخطاء البشر، إلا
أنها الآن أفضل دولة إسلامية على الإطلاق. ويرى في قوله الأخير ـ أن تعدد
الأئمة عند الضرورة جائز، فتتعدد بذلك الدول ـ فمحاولة الكاتب أن يوهم
القراء بأن الألباني له تنظيم؛ كذب وافتراء، وقد صعد الكاتب صراحة إلى ما
هو أسوأ من ذلك ، حيث قال: إنه سبب ما يقع في الأمة من مشكلاتٍ ـ هذه
فحوى عبارته ـ وأقول: سبحان الله. وايم الله لقد علم الدكتور العسكر ـ
ومنه سمع الناس ذلك ـ أن سبب الافتراق ونحوه قوم يعرفهم الدكتور جيدًا بل
هم الذين غذّوه ومعهم نشأ، وهؤلاء القوم أشد أعدائهم: كتب الألباني. بل
بعضهم يتعدى ويصف كتبه والكتب القديمة عمومًا: بأنها كتب (صفراء) فمن سبب
الافتراق والمشاكل إذن ؟ لعل الدكتور لا يتغير ـ لتغير الظروف ـ فيخرج
بقول ثالثٍ !!
وأخيرًا: أدعو الكاتب إلى الرجوع إلى الله، والمحافظة على لحوم العلماء
من الأكَّالين، وأن لا يكون سببا لجلب عداوة الناس للبلاد والعباد، وليكن
بين ناظريه: أن مَن رام الشُّهْرَة على أكتاف العلماء سقط فكسرت عنقه.
كتب ذلك:
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
23/11/1418هـ
محاضر بالمعهد العالي للقضاء
قد تجاوزت الحَدَّ !!
((الحلقة الثانية))
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد.
فيتابع الدكتور العسكر انتقادته على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، حيث
نشر الحلقة الثانية من مقاله (أي سلفية يدعيها الألباني...؟) في جريد
(عكاظ) 29/11/1418هـ وهنا أحب ان أبين أن الكاتب غير أمين في النقل، وأنه
يغمض عينه عمدًا عمَّا هو جدير بإبرازه أمام أعين القارئ ليحيط علمًا
صافيًا بما طُرح حول موضوع الألباني، فأقول:
هناك عبارات متناثرة في كتب الألباني، وتحقيقاته، وأشرطته، فيها الثناء
الصريح على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ وفيها وصف الشيخ
محمد بن عبدالوهاب بأنه شيخ الإسلام، فهل ترى نفسك ـ أيها الأخ الكريم ـ
مشتاقًا إلى النظر فيها ؟ إنها كثيرة جدًا، أقتصر على نقلين منها، ثم
أبين لك لماذا كتمها عنك (العسكر) مع معرفته بها وبمواضعا، وما حقيقة ما
نقله العسكر ما زعم أنه قدح من الألباني في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
ـ رحمه الله ـ.
1ـ قال الشيخ الألباني في الرد على من ذم الشيخ محمد بن عبدالوهاب لكونه
من (نجد) ونزَّل عليه حديث (نجد قرن الشيطان):-
(بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام
محمد عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث
عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم. وجهلوا أو
تجاهلوا أنها ليس هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق) كما دل
عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديمًا...) اهـ كلام الألباني
من (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (جـ5/ص305) الطبعة الأولى عام 1412هـ مكتبة
المعارف بالرياض.
2ـ حثُّ الألباني على قراءة كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقرن ذلك بالحث
على قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم. قال في (تعليقة وشرحه للعقيدة
الطحاوية) (ص33) على مسألة توحيد العبادة: (ومن شاء التفصيل فعليه بشرح
هذا الكتاب. وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب
وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}) ا.هـ.
فهذان نصان من كتب الشيخ الألباني ـ من بين عشرات النصوص ـ تَنْطقُ
باعتراف الألباني بفضل الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ وأنه شيخ
الإسلام فهل تتصور ـ أيها القارئ الموفَق ـ أن الألباني بعد ذلك يطعن في
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو أنه ليس يتفق معه في أمور العقيدة؟
الجواب بكل تأكيد: لا.
إذن فلماذا حجب عنك الكاتب هذه النصوص مع أني قد اوقفته على شيء منها؟
إنه الهوى ... لا أجد مبررًا غير ذلك، وغن أردتَ شاهد صدق على ذلك فاسمع
إلى قول العسكر: (ونحن لا نطالبه ـ أي الألباني ـ بالانتساب لهذه الدعوة،
لكن يمكن القول بأنها دعوة نافعة وموافقة للكتاب والسنة، وأنه يلتقي معها
قلبا وقالبا) اهـ.
سبحان الله ! لقد نطق الألباني بأكثر من ذلك حيث وصف الشيخ محمد بن عبد
الوهاب بشيخ الإسلام، فيا ترى هل يرضي ذلك العسكر؟
إن ذلك موجود في كتب الألباني قديمًا وحديثًا، لكنهم يعرفون ولا يريدون
براءة الذمة فالله الموعد. ثم إن ما نقله من شريط للألباني تكلم فيه
الشيخ مع (رجل تبليغي) وذكر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وسماها
بالوهابية. فأقول جوابًا عن ذلك:
أ ـ الألباني يعيش في مجتمع يختلف تمامًا عن مجتمعنا، فجمهور الناس فيه
لا يسموننا إلا (الوهابية).
ب ـ الألباني في هذا الشريط في حال مناظرة، وقد علم أهل العلم أن أحوال
المناظرة تختلف عن التقرير.
ولذلك لما تمسك المبتدعة بتأويل الإمام أحمد لصفة المجيء. قال أهل العلم
في الرد عليهم: إنما تأولها في مناظرة الجهمية، ردًا عليهم بلازم مذهبهم.
وقد استمعت إلى الشريط الذي جرى بين الألباني وبين أحد قادة جماعة
التبليغ، فما خرجت إلا بأن الألباني يتنزل معه بناءً على ما يعتقده هذا
التبليغي. وإذا اردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى العبارات التي نقلتها
عن الألباني سابقًا في شأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب, واستمع إلى شريطٍ
للألباني بعنوان (اجتماع القلم والسيف) ـ ويعني بالقلم قلم الشيخ محمد بن
عبدالوهاب وبالسيف سيف الإمام محمد بن سعود ـ لتعرف أن الألباني ينكر على
من يُسَمينا بالوهابية على وجه العيب والذم والتنقص.
وكن على ذكر بأن الألباني لا يعرف المجاملات، وإنما هو غاية في الصراحة
والتعبير عمَّا في نفسه.
ج ـ الألباني يعتقد ان انتسابه لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد،
لا يصح، وإنما يأخذ من جميعهم ما وافق عنده الأدلة من الكتاب والسنة،
ويعتمد في ذلك قول الأئمة أنفسهم: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) و (ليس أحد
بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله
عليه وسلم) وغير هذه من الأقوال. فإذا كان الألباني لا يرضى لنفسه أن
يُنْسَبَ لأحد معين من هؤلاء الأئمة، فأمر طبيعي أن لا يرضى لنفسه أن
ينتسب إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهو في هذا كله: يمدح هؤلاء الأئمة
ويثني عليهم ويستفيد من علمهم، ويُحيلُ على كتبهم. وقد سبقه إلى هذا
المنهج: الإمام الشوكاني، والإمام الصنعاني، وصديق حسن خان، وكلهم يحظى
بثناء علماء الدعوة عليهم، لم يجعلوا ذلك قادحًا فيهم. كما سيأتي في شرح
قضية (التمذهب).
وَزَعْمُ الكاتب في مقاله: أن الدولة السعودية ليست في حاجة إلى مدح
الألباني؛ سفهٌ كبير منه، فحسبه أن يعبر عن رأي نفسه، ولا يوهم القراء
بأنه معبر رسمي عن وجهة نظر الدولة. ثم إن الله عز وجل يجب المدح
والثناء، وهو الكامل سبحانه، فكيف بالمخلوقين ؟؟ ثم إنا نعرف عن الدولة ـ
وفقها الله ـ أنها تنشر في (الأخبار) الرسمية ما يمدحه بها أهل الصحف في
الخارج؛ ليبينوا للناس أن محبة هذه الدولة وتقدير جهودها العظيمة محل
اهتمام الناس عمومًا، فكيف لا تحب من عالم من علماء المسلمين أن يمدحها
بالحق؟.
وفي ختام هذه الحلقة، أقول: إن ما يدعو إليه هذا الكاتب من مبدأ التضليل
والتبديع بغير حق لهو مبدأ خطير جدًا، سوف يفضي إلى تدمير المجتمع، وزرع
العداوة والبغضاء بين أبنائه .. إضافة إلى استجلاب عداوة الناس الذين
نلتقي معهم في العقيدة والتوحيد والدعوة إلى السنة في خارج هذه البلاد.
فليتق الله تعالى علماؤنا، وليقفوا أمام هذا الوباء القادم التي تحتضنه ـ
للأسف ـ بعض صحفنا، فهو شرارة يجب أن تطفأ، وجيفة يجب أن توارى.
كتب ذلك:
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
23/11/1418هـ
محاضر بالمعهد العالي للقضاء
قد تجاوزت الحَدَّ !!
(عبد الفتاح أبو غُدَّة ابتدأها وعبد العزيز العسكر طار بها فليهنا
الخرافيون)
((الحلقة الثالثة))
ما أشبه الليلة بالبارحة: قبل ثلاثٍ وعشرين سنة، أثار عبدالفتاح أبو
غُدَّة انتقادات على الشيخ الألباني، فتصدى لها الألباني في كتابه: (كشف
النقاب عمَّا في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات) طبع عام
(1395هـ) فماتت هذه الفتنة آنذاك، حتى أحياها الآن الدكتور العسكر بترديد
ما سطره أبو غدة، ومتابعته في افتراءاته على الألباني.
وإن من بين ما انتقده عبد الفتاح أبو غدة وعبد العزيز العسكر على الشيخ
الألباني: زعمهما بأن الألباني يقدح في الدولة السعودية. وأتركك ـ أيها
الأخ الموفق ـ مع الألباني ليجيب عن هذه الفرية قبل قرابة ربع قرن من
الزمان. قال الألباني تحت عنوان: (بُهْتٌ جديد واستعداء غير شريف) ـ من
كتابه (كشف النقاب) (ص43) ـ :
(... بعد أن يئس ـ أبو غدَّة ـ من تحريك المسؤولين هناك ـ أي في المملكة
العربية السعودية ـ ضدّ تعليقات الألباني وتخريجه لشرح الطحاوية، عاد
يفتش في كتب الألباني الأخرى لعله يعثر فيها على زلَّةٍ يتشبث بها وقد
وجد في بعضها كلماتٍ فيها تذكيرٌ للمسؤولين هناك ببعض الأمور المنكرة
التي تقع في المدينة المنورة، ليبادروا إلى تلافيها قبل أن يتسع الخرق
على الراقع. فاعتبر ذلك أبو غدة تنديدًا ونيلاً من العلماء والمسؤولين
هناك.. ثم ساق الألباني النصوص التي أوردها أبو غدة من كلام الألباني
وحملها على أنها قدح في المسؤولين، وردَّ عليه. وأثبت أنه حذف من كلامه
هذه الجملة: (ثَبَّتَ الله خطاها ـ يعني الدولة السعودية ـ ووجها إلى
العمل بالشرع كاملاً، لا تأخذها في الله لومة لائم، وهو المستعان) قال
الألباني (ص46):
(وحَذْفُه ـ يعني أبا غدة ـ لهذه الجملة من أبين التحريف؛ لأنه لو أثبتها
لانكشف افتراؤه للقراء بداهةً؛ ولذلك حذفها تضليلاً للقراء وبهتًا
للأبرياء، فعليه من الله ما يستحق. وهذه الجملة لأكبر دليلٍ على أننا
نريد النصح بهذه الكلمات للدولة السعودية وحكامها، ولا نريد الطعن والنيل
منهم، كما يريد أن يقول هذا الأفاك الأثيم). اهـ.
وقال الشيخ ـ أيضًا ـ (ص45) في المقارنة بين السعودية وبين أبي غدَّة:
(.. مع أنهم ـ أي الدولة ـ في العقيدة سلفيون، وهو ـ أي أبو غدَّة ـ
خلفي). وقال الشيخ ـ أيضًا ـ (ص21): (ومن الواضح أن الوهابيين عند ـ أي
عند أبي غدَّة ـ وهو يخطب في حلب، إنما يعني السلفيون في حلب وغيرها من
البلاد السعودية الذين أقضُّوا مضجعه بدعوتهم الناس إلى الكتاب والسنة
ومحاربة الشرك والبدعة) اهـ.
فهذه أمثلة من موقف الألباني من الدولة السعودية في كتاب واحدٍ له فقط !
يجد فيها المنصف الصورة الواضحة لموقفه من الدولة السعودية.
إلا أن الألباني لو جعل نصحه هذا سرًا لوافق قول النبي صلى الله عليه
وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ..) فلعله أن يراجع
ذلك.
أما تشنيع أبي غدة وتابِعِهِ عبد العزيز العسكر على الألباني في مسألة
المذاهب، فما صَدَقا فيما قالا من أن الألباني يلغي هذه المذاهب أو
يجعلها ضلالاً، وأترك الحديث للألباني حتى يوضح ما يَدين الله به في ذلك.
قال الألباني في (كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل
والافتراءات) (ص27):
(إن الانتساب إلى أحدٍ من الأئمة كوسيلة للتَّعرفِ على ما قد يفوت طالب
العلم من الفقه بالكتاب والسنة أمرٌ لا بد منه شرعًا وقدرًا، فإن ما لا
يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى هذا جرى السلف والخلف جميعًا، يتلقى
بعضهم العلم عن بعض، ولكن الخلف ـ إلا قليلاً منهم ـ خالف السلف حين جعل
الوسيلة غاية، فأوجب على كل مسلم مهما سما في العلم والفقه عن الله
ورسوله من بعد الأئمة الأربعة أن يُقَلِّد واحدًا منهم، لا يميل عنه إلى
غيره) اهـ. فهل بالله عليك ـ أيها المنصف ـ يصدر هذا الكلام ممن يضلل
المذاهب الأربعة ويلغيها؟ وكيف يُصَدّقُ عاقل ذلك وكُتب الألباني مليئة
بالنقل عن هذه المذاهب المباركة والاستفادة منها. بل قد خرج أحاديث كتاب
(منار السبيل في شرح الدليل) وهو كتاب فقهٍ حنبلي ومؤلفه نجدي.
وفي الجواب عن الفرية التي أثارها أبو غدة، وتابعه العسكر وهي أن
الألباني قرن المذهب الحنفي بالإنجيل، فاسمع إلى الألباني قبل ربع قرنٍ
من الزمان يردها، قال أبو غدة ناقلاً تعليق الألباني على حديث نزول عيسى
بن مريم وحكمه بالشرع الإسلامي: (إن عيسى عليه السلام ـ أي عند نزوله ـ
يحكم بشرعنا، ويقضي بالكتاب والسنة لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه
الحنفي ونحوه. قال أبو غدة: وقد أفاد قولهم هذا: أن الفقه الحنفي ونحوه
ليس من شرعنا، وليس من الكتاب والسنة). اهـ.
قال الألباني: أقول: في هذا الكلام من الكذب والضلال ما لا يصدقه إنسانٌ
يحترم دينه وعقله، بل ويحترم إخوانه وأصدقاءه، وإليك البيان ... إلى أن
قال (ص48): وأشرتُ فيه بذكر (الإنجيل) إلى الرد على النصارى الذين يزعمون
أن عيسى عند نزوله لا يحكم بالقرآن، وإنما بالإنجيل. وبذكر الفقه الحنفي
الردُّ على بعض متعصبة الحنفية الذين يجزمون بأن عيسى ـ عليه السلام ـ
سيحكم بالمذهب الحنفي.. وقلت: (ونحوه) تسوية بينه وبين المذاهب كلها في
أن عيسى لا يحكم بشيء منها، وإنما بالكتاب والسنة فقط..) اهـ.
وهكذا ترى ـ أيها المحب ـ التوافق الكبير بين ما يطرحه الخلفيون وما
يردده العسكر {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ولذا أقول: إن كتاب (كشف النقاب) هو ردٌّ على الشيخ
أبي غدة ـ عفا الله عنه ـ وهو في الوقت الحاضر يتجدد ليكون ردًا على
التابع له: العسكر. فمن شاء التوسع فليرجع لهذا الكتاب وليتأمله، يرى
إبطال هذه الشبهة وأمثالها، ويرى شدَّةَ غَيْرَة الشيخ الألباني عندما
يقدح قادح في (الوهابيين) !
وأحب أن أشدَّ الانتباه إلى قضية مهمة، وهي أن كلام الألباني ـ هذا الذي
نقلته ـ في أن الانتساب للمذاهب كوسيلة للتعرف على ما قد يفوت طالب العلم
من الفقه بالكتاب والسنة ... إلخ، يجب أن يعيه أولئك الذين يعتنون بكتب
الشيخ الألباني، وليعلموا أن ما يقع من عبارات الشيخ التي ظاهرها نقد
التمذهب إنما هي منصبة على التعصب الأعمى وهو تقديم القول الذي يعارضه
دليل صحيح في الشرع على الدليل، وأن لا يأخذوا كلام الشيخ دون حمل بعضه
على بعض.
والذي أعتقده ـ أن كاتب هذه الأحرف ـ في موضوع المذاهب: أن التزام الطالب
بالتعلم على مذهب بلده, معتمدًا على معرفة المذهب بدليله، امرٌ محمود وهو
الذي عليه المسلمون من قرون متطاولة. وليحذر من التعصب فهو مجمع على
تحريمه. والله أعلم.
كتب ذلك:
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
23/11/1418هـ
محاضر بالمعهد العالي للقضاء
اضغط هنا للتحميل بصيغ وورد، وبي دي اف المصورة